آخر تحديث :السبت-22 فبراير 2025-04:00ص

اخبار دولية


ماذا يريد الشرع من روسيا؟

الإثنين - 03 فبراير 2025 - 10:22 م بتوقيت عدن

ماذا يريد الشرع من روسيا؟

سؤال بلس/وكالات:

وصل وفد من الدبلوماسيين الروس يوم الثلاثاء الماضي في موكب من سيارات الدفع الرباعي البيضاء لحضور قمة في دمشق، العمل على مهمة غير محددة بتمهيد الطريق لبقاء القواعد العسكرية الروسية في سوريا. وذلك بعد أقل من شهرين من الإطاحة بالرجل المفضل لموسكو بشار الأسد، على يد المتمردين.

وللقيام بذلك، وفقاً لتقرير في صحيفة "نيويورك تايمز"، كان على الوفد الروسي أن يكسب ود شعبٍ قصفه الجيش الروسي بلا رحمة لسنوات، في سبيل دعم الأسد.



لحظة محاسبة
كان في انتظارهم أحمد الشرع، الذي نجا من عقد من الغارات الجوية الروسية ليصبح الزعيم الانتقالي الجديد لسوريا. وقف في القصر الرئاسي ليواجه مبعوثي الكرملين في لحظة محاسبة طال انتظارها.

انتهت المحادثات التي جرت، وهي الأولى بين موسكو ودمشق منذ نهاية الحرب التي استمرت قرابة 14 عاماً، من دون حل. لكنها شكلت بداية لمفاوضات قد تستغرق وقتاً طويلاً حول الدور الذي، إن وجد، ستلعبه روسيا في سوريا ما بعد الحرب، بعدما خسرت رهانها على إبقاء الأسد في السلطة.

وأظهرت هذه القمة نوعاً من الصفقات الجيوسياسية التي بدأت تتشكل في أعقاب الحرب الأهلية السورية، مع احتمال إعادة تشكيل الشرق الأوسط. إذ تتنافس القوى العالمية على النفوذ، فيما تسعى القيادة السورية الناشئة إلى كسب الشرعية والأمن والمساعدات من خلال سياسة واقعية صارمة.


تهدئة وبراغماتية
وقال تشارلز ليستر، الزميل البارز في معهد الشرق الأوسط بواشنطن للصحيفة: "أعتقد أن الأجواء العامة في دمشق هي: نحن السوريين لا نحتاج إلى قتال مع أي طرف في هذه المرحلة، بما في ذلك أعداؤنا السابقون. لذلك، فإن التهدئة والبراغماتية هما شعار المرحلة".

ومع ذلك، كان الروس هم من طُلب منهم تقديم التنازلات. فقد شدد الشرع على أن أي علاقات جديدة مع موسكو "يجب أن تعالج الأخطاء الماضية"، وطالب بتعويض عن الدمار الذي تسببت فيه روسيا، بحسب بيان صادر عن حكومته.

كما طالب الشرع بأن تسلم موسكو الأسد وأعوانه الرئيسيين لمواجهة العدالة، وفقاً لما قاله مسؤولان في الحكومة المؤقتة على دراية بالاجتماع.

ومن شبه المؤكد أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو عميل استخبارات سابق يولي الولاء أهمية كبرى، لن يوافق على ذلك. وعندما سُئل المتحدث باسم بوتين في اليوم التالي للاجتماع عما إذا كان الشرع قد طلب تسليم الأسد، رفض التعليق.


روسيا وإيران
بخلاف ذلك، بدا الشرع متقبلاً بشكل مفاجئ لفكرة التعاون مع روسيا، على عكس إيران، الحليف الرئيسي الآخر للأسد، التي قالت السلطات الجديدة في دمشق إنها لم تعد مرحباً بها في سوريا.

في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية "بي.بي.سي" أواخر ديسمبر (كانون الأول)، أشار الشرع إلى "العلاقات الاستراتيجية الطويلة الأمد" بين سوريا وموسكو، وقال: "لستُ في عجلة من أمري لإخراج روسيا من سوريا، كما يتخيل البعض".

وفي مقابلة منفصلة مع التلفزيون السعودي الرسمي، أشار إلى أن روسيا زودت الجيش السوري بالسلاح لعقود وتوفر خبراء يديرون محطات الطاقة في البلاد. وكان المغزى واضحاً: دمشق تحتاج إلى روسيا في المستقبل.

وقال ليستر عن القيادة السورية الجديدة: "هم في أمسّ الحاجة إلى الشرعية والدعم الدولي. التسبب في أي صدع دولي كبير سيكون أسوأ ما يمكنهم فعله".

إلى جانب شحنات محتملة من النفط والحبوب من روسيا، فإن ما يحتاجه الشرع هو ألا تعرقل موسكو جهوده لإعادة إعمار سوريا وبناء حكومة، بحسب هانا نوت، المحللة في مركز جيمس مارتن لدراسات عدم الانتشار.


ماذا يريد الشرع؟
وقالت نوت: "هذا بلد يُبنى سياسياً من تحت الرماد"، مشيرة إلى أن روسيا عضو دائم في مجلس الأمن الدولي ويمكنها عرقلة الشرع بطرق عديدة، إذا اختارت عدم التصرف بـ"سخاء سياسي".

الشرع نفسه أشار إلى أن روسيا تُعتبر ثاني أقوى جيش في العالم، وقال إن حكومته الجديدة ليست في وضع يسمح لها بمعارضة القوى الكبرى.

في الاجتماع، الذي مثل فيه روسيا مبعوثها الأعلى للشرق الأوسط، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، لم يكن أي من الطرفين في عجلة من أمره لاتخاذ قرارات كبيرة. كما أن ما تطلبه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا والسعودية من القيادة السورية الجديدة يمكن أن يؤثر أيضاً على مصير روسيا.

في الأسابيع الأخيرة، توافد دبلوماسيون من هذه الدول وغيرها إلى دمشق للقاء الشرع.

تسعى روسيا إلى الاحتفاظ بقاعدتها البحرية في طرطوس، التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، كما تسعى للحفاظ على قاعدة حميميم الجوية خارج اللاذقية، والتي تستخدمها كمركز إمداد ومرور للعمليات الاستكشافية في إفريقيا. حتى الآن، لم تقل السلطات السورية الجديدة لا، وبقيت روسيا في أماكنها، رغم أنها نقلت بعض المعدات من القواعد. وقابلت موسكو هذه البراغماتية السورية بالمثل.


"انتهازية مرتجلة"
بعد سنوات من الدفاع عن نظام الأسد في ساحة المعركة وفي الأمم المتحدة، أعادت روسيا صياغة خسارة حليفها القديم على أنها انتصار، ومدت غصن الزيتون للسلطات الجديدة، التي كانت موسكو تصفها منذ فترة طويلة بالإرهابية.

وقالت نوت: "أود أن أسمي ذلك انتهازية مرتجلة. إنه تحول مذهل حقاً".

وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال بوتين في مؤتمره الصحفي السنوي إن روسيا انتصرت في سوريا، لأنها منعت البلاد من أن تصبح معقلاً للإرهاب. وأضاف أنه لم يرَ الأسد بعد، لكنه التزم بلقائه في وقت ما.

وعرض بوتين استخدام القواعد الروسية لتوصيل المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري، الذي كان قبل أسابيع فقط يواجه الضربات الجوية الروسية.


تأجيل المفاوضات
وفي الأمم المتحدة، قال السفير الروسي فاسيلي نيبينزيا في يناير (كانون الثاني) إن القوات الجديدة في سوريا "تتصرف بكفاءة كبيرة"، مؤكداً أن الصداقة بين روسيا وسوريا "غير مرتبطة بأي نظام".

داخل سوريا، لا يزال الشرع يسعى إلى القضاء على بقايا قوات النظام لتعزيز سلطته، ويمكن لموسكو أن تجعل هذه المهمة أكثر صعوبة. وقد لا يتم حل مسألة القواعد الروسية في سوريا قريباً.

وقال أنطون مارداسوف، الخبير الروسي في الشؤون العسكرية والمتخصص في الشأن السوري: "أعتقد أن كلا الطرفين يستفيد من تأجيل المفاوضات حول مصير القواعد"، مضيفاً: "موسكو يمكنها الحفاظ على صورتها، إذ تمكنت من الصمود لأطول فترة ممكنة وعدم المغادرة فور سقوط نظام الأسد، بينما يمكن لدمشق التفاوض حالياً بشأن رفع العقوبات".